سرقة مُضاعفة للودائع… وهؤلاء المُستفيدون

“ليبانون ديبايت”

من تشرين الأول 2019 إلى كانون الأول 2024، إنخفضت أرقام التسليفات في المصارف اللبنانية من 47.6 مليار دولار إلى 7 مليار دولار، ومن العام 2020 إلى العام 2021 بلغ حجم استيراد المواد المدعومة على أنواعها نحو 20 مليار دولار. ويُضاف إلى هذه المليارات، مليارات الإستيراد في زمن الإنهيار، عندما استورد لبنان مجوهرات ومعادن ثمينة وسيارات وسلع فاخرة وأدوات كهربائية، من دون إغفال مليارات الدولارات المحّولة إلى مصارف أجنبية لحساب أصحاب النفوذ من سياسيين ورجال أعمال، في الوقت الذي بلغت فيه أزمة انهيار القطاع المصرفي الذروة.

لا تكفي هذه الأرقام لملء الفجوات في التقارير المالية المتداولة داخلياً وخارجياً حول ما حصل في لبنان من جرائم بحقّ فئة من المودعين، استجابت لدعوات الإستثمار بالليرة أو بالدولار في القطاع المصرفي، ولا تزال تنتظر الحلول العادلة منذ خمس سنواتٍ ونصف إنما من دون أي نتيجة.

وبطريقة حسابية بسيطة، يمكن الإستنتاج أن هذه المليارات “تبخّرت” بكل ما للكلمة من معنى ولا مجال لاسترجاعها، سواء من أصحاب القروض أو من المستفيدين من الدعم أو من التحويلات المالية إلى الخارج، كما يجعل من أي وعد أو إعلان بأن ودائع اللبنانيين “مقدسة”، عبارة عن “مزحة سمجة”، لأن هذه الودائع تحولت إلى عقارات وقصور ومجوهرات في لبنان والخارج وسيارات فخمة ومحروقات وأدوية بالأطنان وغيرها من السلع.

ويؤكد مصدر مالي مُطلع لـ “ليبانون ديبايت”، أن الأزمة المالية تراوح مكانها حتى إشعارٍ آخر، لأن كل الخطط الحكومية لم تذهب باتجاه الحل، بل على العكس فقد عملت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2019 على تعميق فجوة الخسائر المالية وألزمت مصرف لبنان على تقديم الدعم من احتياطاته لشراء المحروقات والأدوية والسلع الأساسية التي كانت تباع في الخارج أو تهرّب إلى سوريا.

أمّا عن مليارات التسليفات المالية والتي لا تنفصل عن التجارة بمليارات الشيكات المصرفية، فيكشف المصدر أنها تمثل سرقة مُضاعفة للمودع، بمعنى أن صاحب كل وديعة قد تمّت سرقته مرتين، الأولى عبر أصحاب القروض الضخمة المسدّدة باللولار، والثانية عبر تجار الشيكات المصرفية الذين جمعوا ثروات على حساب المودعين.

ويوضح المصدر أن هؤلاء ليسوا وحدهم من استفاد من الأزمة ومن استنزاف احتياطات المصرف المركزي لأن حجم التهريب كان هائلاً ولم يقتصر فقط على سوريا بل وصل إلى أفريقيا وأستراليا وأوروبا.

ورداً على سؤال حول إمكانية استرداد هذه المليارات، يقول المصدر إن مجموعة العمل المالية الدولية (FATF) أكدت في تقريرها بتاريخ كانون الأول من العام 2023 أن الأجهزة الامنية اللبنانية تمتلك تفاصيل دقيقة عن الفاسدين ومبيّضي الأموال، كما يُمكن من خلال التوسّع في التدقيق الجنائي معرفة حجم المستفيدين من الدعم ومن منصة “صيرفة” ومن تجارة الشيكات والتهريب، بالإضافة إلى الأفراد الذين سددوا قروضهم التجارية والسكنية التي تفوق مستوى معين، على سعر 1500 ليرة للدولار أو عبر شيكات مصرفية مُشتراة من السوق دون قيمتها الإسمية ووصلت إلى 10 بالمئة. كل هذه الأرقام متوافرة بالتفاصيل في حسابات المصارف.

واللافت في هذا الإطار ما يكشفه المصدر على سبيل المثال، عن أن العمليات العقارية قد ارتفعت بنسبة تجاوزت 110 بالمئة في العام 2020 نسبةً إلى العام 2019 وقد جرت مُعظم هذه العمليات بالشيكات المصرفية.